الأحد، 11 ديسمبر 2011

الغزو الفكري من خلال كتااب : "السر" لمؤلفته: روندا بايرن.


                           بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
سرٌّ عميقٌ كشفت عنه كاتبةٌ أستراليةٌ في كتابٍ صدر مؤخراً، وبيعت منه ملايين النسخ حول العالم، فتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وتُرجم لأكثر من ثلاثين لغةً. وقد جاء الدور اليوم على لغة بني يعرب ليطّلع أهلها على ذاكم السر الخطير، والذي سيساعدهم في النهوض من رقدتهم!
هذا السرُّ الخطير يقول: دع عنك العمل، فالخير كله في الأماني.
أنت تستطيع التحكم في الكون عن طريق الأمنية، وأنت سيد أمانيك، فتمنَّ وسيأتيك ما تريد.
إياك أن تظنَّ أن المال يأتي بالعمل، أو أن الدواء سببٌ للعافية. دع عنك هذا كله.. وعليك بالأماني الجازمة فبها يُجمع المال وتُحصَّل العافية.
تمنَّ المال .. واحلم بالعافية ... وسيقولان لك بصوت واحدٍ: أتينا طائعين!
لا تصدق أن الإفراط في الأكل يسبِّب السمنة!
إن ظننت هذا فأنت مخطئ .. فالسُّمنة تأتيك فقط إذا فكرت فيها. أكلت أو لم تأكل.
وأما إن لم تفكر في السُّمنة فكل بيديك ورجليك، ولن يزيدك ذلك إلا خفةً ورشاقةً !
حاذر أن تتوهم أن داء السرطان وفشل الكلى أمراضٌ تستدعي دواءً.
السرطان يذهب عنك، إذا تمنيت شفاءه...وكذا فشل الكلى...
فقط تمنَّ واطلب، ثم انتظر العافية التي لن تتأخر عنك..
إذا كانَ بصرك ضعيفاً، فدع نظارتك جانباً، وردِّد بأعلى صوتك: (أستطيع أن أرى بوضوح، أستطيع أن أرى بوضوح، إنني أرى الآن، إنني أرى الآن!!)..كرِّر ذلك، وسترى كيف تكسبُ بصراً كبصر الصقر، دون مراجعة طبيب.
حتى الشيخوخة، بإمكانك التخلص منها عن طريق تجاهلها وعدم التفكير فيها. فبهذا لن تشيخ ولن تهرم، وستحتفظ بشبابك، لأنك فكرت بطريقة إيجابية! فالذي يشيخ فقط هو من يفكر في الشيخوخة.
كل ما تريده، وكل ما تتمناه هو -ببساطة- في متناول يدك، ودون شراك نعلك، وأقرب إليك من حبل الوريد، وما عليك إلا أن تفكر فيه، وتتخيله حاضراً موجوداً عندك، ثم تردد كالببغاء: (إنني أتلقى الآن، إنني أتلقى كل الخير في حياتي الآن، إنني أتلقى ما أريد الآن) لتتسلم ما أردته بكل سهولة ويسر!
هذا هو السر الخطير جداً الذي كشفته لنا الكاتبة الأسترالية. وهو السر الذي يباع اليوم في أسواقنا وتنشر له الإعلانات الدعائية.
مقتطفات من الكتاب وأثرها على عقيدة المسلم:
1-عظمة الانسان وربوبيته:
يقول الكتاب:(تدور الارض في فلكها الخاص من اجلك انت- تتحرك المحيطات بين مد وجزر من اجلك انت- تزقزق العصافير من اجلك انت -تشرق الشمس وتغرب كلها من اجلك انت -تظهر النجوم من اجلك انت- كل شئ رائع خلق من اجلك انت- كلة هناك وموجود من اجلك انت- انت الخليفة في الارض لاشيء له معنى بدونك انت تستحق ان تعيش كما تريد-انك الحياة في شكلها الاسمى)
وهنا بالغ في الغلو بتعظيم الانسان ثم يرفعه الى مرتبة اعظم واخطر الى رتبة الربوبية بوصفه بصفات الخالق جل وعلا وإعطائه خصائص الربوبية :
(الانسان خالق يخلق وهو وحده من يشكل هذا الكون ويحركه) ثم يقول:
(انت لديك امكانيات الله وقوته لخلق عالمك) ويقول ايضا: (انك خالق وثمة عملية سهلة للخلق باستعمال قانون الجذب)
فهذه جملة من العبارات الصريحة في اضفاء صفات الخالق على المخلوق واعطاء المخلوق شيئا من خصوصيات الربوبية كالخلق والايجاد.
ومثال آخر:
(غالباً ما نصاب بالتشويش بهذا الشيء الذي يسمى جسدنا أو كياننا المادي، ذلك الجسد يقيد روحك، وروحك كبيرة لدرجة أن تملأ غرفة، أنت حياة أبدية، إنك الله متجلياً في هيئة بشرية وجدت للكمال )
2-انكاره للقضاء والقدر:
في قوله: ( لا يوجد لوح في السماء كتب الله عليه الهدف من وجودك ورسالتك في الحياة . لا يوجد في السماء لوح يقول : نيل دونالد والش . شاب وسيم عاش في بداية القرن الواحد والعشرين ، والذي ... " ثم يوجد فراغ ، وكل ما على فعله لأفهم حقيقة ما الذي أقوم به هنا ، ولماذا أنا هنا ، هو ان أجد ذلك اللوح وأجد ما الذي يريده الله مني . لكن اللوح غير موجود 
إذن الغرض من وجودك هو ما تقول أنه غرضك ، رسالتك هي الرسالة التي تعطيها لنفسك، حياتك أنت من يخلقها ولا أحد سيحاكمها الآن ولا في أي وقت .
يحق لك ان تملأ لوح حياتك بأي شئ تريد ، إذا كنت قد ملأتها بأمتعة الماضي فامحها تماماً ، امسح كل شئ لا يخدمك من الماضي ، وكن ممتناً أنه الذي أوصلك إلى المكان الذي أنت فيه الآن ، ولبداية جديدة . لديك صفحة جديدة ، وتستطيع البدء من جديد ، من هنا ومن الآن ، أوجد بهجتك وعشها)
فهنا معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
3-دعوة السر للأنانية:
(التضحية من أجل الآخرين خطأ فعليك أن تستدعي رغباتك الخاصة)
الكتاب يشتمل على جمل من الانحرافات العقدية والعملية الخطيرة , التي تستوجب التحذير منه ما فيه من الانحرافات والأباطيل ,ومن تلك الانحرافات ما يلي:
1_ دعوة الكتاب الى ترك العمل , والأعراض عن تحصيل الأسباب المشروعة ,والاتكال على ألاماني والأحلام , فكل ما تريده يمكنك ان تحققه بتركيزك وتفكيرك المجرد وفق قانون - مزعوم – يسمونه ( قانون الجذاب ).
2_ الادعاء بان الإنسان يملك قدرات مطلقة , وامكانات خارقة, تبلغ به حد القدرة على الخلق والإيجاد من العدم , وان الإنسان يخلق فعله بنفسة , وانه أيضا يخلق الأحداث من حوله . وهذا لاشك مصادم لتوحيد الربوبية المتضمن أن الله وحده المتفرد بالخلق والإيجاد , والإحياء والإماتة سبحانه وتعالى ,
مصادم أيضا للعقيدة الشرعية في القضاء والقدر , المتضمنة ان الله يخلق افعال العباد وقال تعالى :
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }وانه سبحانه خالق كل شيء , يقول تعالى : {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
3_ الدعوة الى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول بأن الخالق والمخلوق شيء واحد , وان الإنسان هو الله في جسد مادي , تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
4_ إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية , وقد فرح بهذا الكتاب أصحاب تلك العقائد من أهل الملل والأديان , وابتهجوا بانتشاره .
5_ الدعوة الى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً , فاذا أردت شيئاً فتوجه بطلبك للكون والكون سيلبي طلبك ولابد , ونحن نعتقد شرعاً بأن الكون مخلوق , وانه لا يوثر بذاته في إيجاد الأشياء , وان الله هو خالق الكون ومدبره , ولذلك فنحن نسأله سبحانه ونتوجه إليه ولا نسأل الكون , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا سألت فاسأل الله ) .
6_ معارضة عقيدة القضاء والقدر من وجه أخر غير ما تقدم , وهو إن الكتاب يدعي بأن الله لم يكتب مقادير الخلائق , وأن الأمور التي تحدث وتستجد ليست مبنية على قدر سابق , وقد قال تعالى مكذباً من ادعى ذلك :
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وقال {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } ,
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
7_ الدعوة الى تقديس الإنسان لذاته وأن يلهث خلف شهواته وملذاته , وان ينفلت من الضوابط الشرعية وينسلخ من الأحكام الإلهية , ويغرق في المادة , ويعب من لذات الدنيا.
فما هو "سر" نجاح كتاب "السر" رغم أن فكرته شائعة وكذبته خادعة وكيف انتشر في العالم الاسلامي؟ 
لقد استندت المؤلفة إلى الحكمة التاريخية القديمة وتحدثت عن البابليين والفراعنة وحكماء الشرق وفلاسفة الغرب، والإنسان يميل بطبعه إلى تصديق كل ما هو قديم وعتيق وتاريخي، لأنه يعتبره مرجعا موثقا وموثوقا به. ثم استندت إلى العلم بطريقة مخادعة حين قالت إن الأفكار تتضمن طاقة، واستشهدت بفيزياء الكم، أو الميكانيكا الكمية (كوانتوم فيزكس)، فحققت أكبر سقطة يمكن أن يقع فيها مؤلف. فهي تدعي من ناحية أن الطاقة النابعة الأفكار هي "ميتافيزيقيا" ثم تقول بإنها محكومة بقوانين "الفيزيقيا!" فكيف يمكن للطبيعة ولما وراء الطبيعة أن يلتقيا في قانون واحد؟! ! وهذ هو سر وحقيقة أكبر كذبة عرفتها البشرية. وهل يمكن للمؤلفة أن تحقق ملايين الدولارات لو أنها فكرت في (الماوراء) وأرسلت أفكارها لجذب الملايين، دون أن تكتب وتنشر وتسوق كتابها؟
اما سر انتشار الكتاب :
-انه يضرب على الوتر الحساس وهو تحقيق المتع و الأماني بالتفكير و الأماني دون عمل.
- الحملة الدعائية الواسعة
- ترويجه في سياق الكتب التي تهدف الى رفع المعنويات و تحفيز القدرات

كتاب السر والكارثة الاقتصادية:
الموارد في هذا العالم محدودة، ولا يمكن أن توزع بالتساوي؛ لأن من يعمل ويجتهد ويخاطر ويفكر ويخطط وينفذ أكثر، هو من يأخذ أكثر! لقد حلم كثيرون بالسيارات الفاخرة والقصور العامرة واليخوت الماخرة، فاقترضوا من البنوك، وزورا وباعوا الصكوك، فكان مصيرهم الإفلاس! فأن تكسب دون أن تتعب، يعني أنه بإمكانك أن تحصد دون أن تزرع! فقد خلق الله الإنسان لإعمار الكون، وليس في ذلك سر. الفكرة الوحيدة التي تجول بخاطري الآن هي أن يلقي كل من اشترى "السر" بالكتاب في أقرب صندوق قمامة، ثم يعود إلى العمل. العمل هو المدخل الوحيد للحلم والأمل.
رأيي الشخصي في الكتاب:
( السرّ ) الذي يدّعيه هذا الكتاب هو أن كل شيء خير يتحقق بالأماني فقط , وليس الأخذ بالأسباب و التوكل على الله , فأمنيتك تتحكم بالكون ( وليس الله عز و جلّ ) , وانت سيّد أمانيك , فتمنَّ وسيأتيك ما تريد ! و أن ما يصيبك من ضرر و شرّ فهو بسبب تفكيرك السلبي فقط  وهكذا يصبح المظلوم ظالماً و المجني عليه جانياً لأن كل ما يقع بالإنسان فإنما هو المتسبب فيه حقيقةً وهو الذي اجتذبه إليه بواسطة تفكيره !!!

آراء الشيوخ والعلماء في كتاب السر:
1-كتاب «السر» أضحوكة  بقلم  د-عائض القرني:
قرأت كتاب «السر» ثلاث مرات بتأمل وتدبر بعدما مُدح مدحا بلغ عنان السماء، ولما انتهيت من قراءته وضع في يدي اليمنى الشمس وفي اليسرى القمر، ولكن تبين لي أنه يعيش الوهم ويذهب وراء الخيال ويطارد السراب، فهو فقط يرى أن تستشعر السعادة وسوف تسعد، وتفكر في الغنى وسوف تغتني، وتتأمل السلطة وسوف تنالها، ويدلك بطريق الجاذبية على كل ما ترغبه في الحياة وأنت جالس في بيتك، ويضرب لك قصصا للمشاهير، فأحدهم بالجاذبية فكر في الغنى فصار من أغنياء العالم، والثاني رغب في سيارة فارهة وأعد لها موقفا عند بيته فحصل عليها، وثالث حدثته نفسه بمنصب كبير فوصل إليه، وقانون الجاذبية الذي يذكره هو كبسول مسكن وكأس مسكرة وأفيون مخدر يتناوله الكسالى الفارغون وهم جالسون في بيوتهم فتنثر الدنيا تحت أقدامهم بما أرادوا من شهرة ومال ومنصب وسلطة وجاه وزوجة حسناء وسيارة فارهة، وذُهلت من اقتناع كثير من الناس لهذا الطرح السامج والفهم الساذج لقانون الحياة وسنة الله في الكون، فالله تعالى يقول: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أعقلها وتوكل»، ويأمر الناس بالعمل والجد والمثابرة والكفاح وطلب الرزق والبذل والتضحية في حياة كريمة، ويأمر أحد الصحابة أن يأخذ فأسا ويحتطب ويبيع، وينهى عن البطالة والعطالة، وعمر بن الخطاب يضرب شبابا أغلقوا على أنفسهم المسجد وتركوا الكسب والعمل، وقال لهم: «اخرجوا واطلبوا الرزق فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة». وفي الأخير الحمد لله أني وجدت طائفة من العلماء والمفكرين والمثقفين قد ردوا على كتاب «السر»، وأنكروا كثيرا مما ورد فيه، وألفوا ضده كتبا طُبعت في الأسواق، وأنا أعلم أنه يجب علينا أن نحسن الظن بالله، ونعيش الأمل، ونفكر في النجاح، ونحدث أنفسنا بالتفوق، ولكن لا يعني ذلك أن ننام ونستسلم ونترك العمل ونهجر الميدان زاعمين أن مجرد التفكير في أي مطلب على قانون «الجاذبية» المزعوم سوف يحقق لنا هذا المطلب.
وكتاب «السر» فرح به الكسالى والأغبياء والحمقى والعاطلون وأرباب البطالة وأهل مجالس السمر والقيل والقال والغيبة والنميمة، وصار الواحد منهم يتقلب على فراشه ويفكر في الوظيفة وينتظر من يطرق عليه بابه ليبشره بمرتب ضخم في وظيفة محترمة، والآخر يحسو الشاي وينتظر سداد ديونه لأن قانون الجاذبية سوف ينطلق من رأسه الفارغ فيرسل ذبذبات صوتية خفية إلى الراجحي والموسى والعمودي والعليان فيحركهم قانون الجاذبية في سداد ديون هذا المهبول المخبول المخذول. إن كتاب «السر» يشجع البطالة في البلاد، ويحث على الاستسلام وتحويل حياة الكدح والجد والعمل والمثابرة إلى تأملات وإيحاءات لأن الذبذبات النفسية والموجات الروحية على قانون الجاذبية سوف تحقق آمالهم دون تعب ولا مصارعة ولا محاولة، فيعيش أحدهم عمره كله في غرفته الضيقة يحدث الحيطان وينشد القصائد على الجدران وينتظر «الشيكات» و«الكدالك» والمنصب الراقي والزوجة الحسناء والبيت الواسع، فيصاب هذا الموسوس بالهلوسة والهمهمة والغمغمة والتمتمة، وقد كتب بعض مفكري الغرب ردا مفحما على كتاب «السر»، أرجو ألا يُضحك علينا أكثر مما حصل، ولا نصل إلى أكثر مما وصلنا إليه من الإحباط عن طريق التنويم المغناطيسي عن طريق كتب تدغدغ المشاعر وتمني القلب وتدخل النفس في أحلام اليقظة. قال تعالى: «وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ». وقال أحد السلف: «ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل»، وقال الشاعر:
«لا تحسب المجد تمرا أنت آكله.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا»..
وقال نيلسون مانديلا في كتاب «رحلتي الطويلة للحرية» ما معناه: «ويعلم الله ما وصلت إلى ما أردت إلا بعد تعب ومشقة وحبس وأذى وعذاب وألم، وكنت أقول للسجان وهو يهينني في الزنزانة: سوف أخرج وتسطع الشمس بأشعتها في جبيني، وأطأ بقدمي حديقة الحرية الخضراء». أيها الناس: الحياة عقيدة وعمل وجهاد ونضال وتضحية وإصرار وصبر واستمرار ومواصلة.. قال شوقي:
«وما نيل المطالب بالتمني..ولكن تؤخذ الدنيا غلابا».
رأي الشيخ سلمان العودة:
سألني أحد الشباب, عن كتاب "السِّر" من تأليف الأسترالية (روندا بايرن)؛ فأحوجني إلى شرائه وقراءته، وصَحبتُه في بعض سفري، فرأيت نظرية تقوم على تحفيز كوامن النّفس للتفاؤل والعمل, والثقة بأن ما يريده المرء أو يحاوله ممكن، بل هو واقع لا محالة، متى قاله المرء بلسانه، واعتقده بجنانه، ورفعَ الأفكار السوداوية المتشائمة.
وأن على الإنسان أن يكرّس ذهنه وفكره لما يريد وما يحب أن يكون، وليس على ما يكره أو ما يحاذر ويخشى.
وذكّرني هذا بكلمة للإمام ابن القيم, في مدارجه؛ يقول فيها: "لو توكّل العبد على الله حقّ توكّله في إزالة جبل عن مكانه, وكان مأموراً بإزالته لأزاله".
وذكّرني أيضاً بكلمة المصلح الأمريكي (مارتن لوثر كينغ) الذي كان يقول:
*أنا لديّ حلم (آي هاف دريم)، ولم يقل: أنا لدي مشكلة.
نعم! كان هناك مشكلة ولا تزال، بيد أننا إذا دخلنا الحياة من بوابة المشكلات؛ دخلناها من أضيق أبوابها.
وجدت فكرة الكتاب في الأصل فكرة بحاجة إلى أن نُرسّخها في ضمائرنا, بعيداً عن الجدل حولها، حتى لا يخبو وهجُها ولا تنطفئ روحُها، نفعل ذلك لأن هذه الفكرة هي أحد المحفّزات الحقيقية للعمل والإنجاز والصبر.
وجدت أن مئات النصوص والكلمات التي أوردتها المؤلفة وعلّقت عليها، وهي تدور حول تفصيلات الفكرة وقوانينها؛ لا تكاد تخرج في مؤدّاها عن مضمون حديثين أو ثلاثة، أحدها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رواية عن ربه جل وتعالى, في الحديث القدسي:
"أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" كما في البخاري ومسلم, وفي لفظ: "فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ". كما عند الحاكم. وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
*وفي لفظ "إِنْ ظَنَّ بِي خَيْراً فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شّرًّا فَلَهُ". و هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
إن الظن هنا يشمل الدنيا والآخرة, وحسن الظن من حسن العمل، وحين نذهب إلى ترسيخ فكرة علينا ألاّ نُوغل في حكحكتها، أو نفرط في افتراض ضوابط واستثناءات؛ لأنها تبهت أو تموت.
وإذا استقرت الفكرة سهل بعدُ تعديلها وتصويبها.
والحديث الثاني: قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ"، وهو حديث لا بأس بإسناده, رواه أحمد والترمذي والحاكم.
والمعنى أن يدعو العبد وهو موقن بأن الله سيجيبه، وليس على سبيل التجريب أو الشكّ أو التردّد.
وكان عمر -رضي الله عنه - يقول: إني لا أحمل هم الإجابة, ولكن هم الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإن معه الإجابة.
وأرى هذه الكلمة من إلهامات الفقيه المحدَّث العظيم عمر -رضي الله عنه-، وكأن مقصوده ليس مجرد التلفظ بألفاظ الدعاء، وإن كان هذا حسناً، وصاحبه مأجور، بل ما هو أبعد من ذلك من استجماع القلب والفكر على الثقة بالله, وصدق وعده في الكتاب الكريم: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ). [غافر:60]. (أمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ).[النمل:62]. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). [البقرة:186].
إن النظرة السوداوية كفيلة بسجن صاحبها في قبو مظلم مكثّف الرطوبة، فاسد الهواء، يذكرك بالقبر الذي وصفه بدر السيّاب بقوله:
أُمّاهُ لَيْتَكِ لَمْ تَغِيبِي تَحْتَ سَقْفٍ مِن حجَارْ
لاَ بَابَ فِيهِ لِكَي أَدُقَّ, وَلاَ نَوَافِذَ فِي الْجِدَارْ!
وكأنه استعجل الموت قبل أوانه، ولا غرابة أن تجد ضحايا التشاؤم والانعزالية والانغلاق النفسي؛ يردّدون عبارات الحنين إلى الرحيل دون مناسبة، بل وينتقدون من يحاول حرمانهم من هذه المتعة الوحيدة المتبقية لهم في الحياة، إن صح أنهم أحياء!
وفي الحديث: "خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ". رواه الترمذي وأحمد والحاكم.
وفي آخر: "لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً". رواه مسلم.
*والحياة نعمة امتنّ الله بها على الأحياء، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استيقظ من نومه شكر الله, وقال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". كما في الصحيحين, وقال أيضاً: "الحمدُ لله الذي ردَّ عليّ رُوحِي وعافاني في جسدي وأَذِنَ لي بذكرِهِ". رواه النسائي وابن السني.
** * إن الاتصال بهدي الأنبياء ليس زاداً على الآخرة فحسب، بل هو زاد إلى الحياة الطيبة في دار الدنيا كذلك.



راي الشيخ محمد صالح المنجد:
كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخراً إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها :
1. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه) ، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأياً كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك). وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيراً إيجابياً فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل ، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع ، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض ، ورتب الرزق على بذل الأسباب ، وليس على الأماني والخيالات ، قال تعالى : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) الملك/15
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم ، وتعطل مصالح أهله ، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات ، إذ مقتضى هذه النظرية ، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه ، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال ، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابياً فيما يريد ، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده ، دون عمل أو بذل .
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء ، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات ، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية ، وقس على هذا غيره من الأعمال ؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل ، مخالفة للحس ، لا تستقيم عليها حياة الناس ، وصدق القائل :
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطاً *** إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
2. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده ، يقول الكتاب مثلاً: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر 141] ، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته ، وصدق الله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
3. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
4. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
5. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالاً وطلباً، فإذا أردت شيئاً فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
6. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل ، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
7. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية والضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوباً فليفعل وما كان مبغوضاً فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.       

  ///

المراجع:
كتاب السر لروندا بايرن.
كتاب خرافة السر: لعبد الله بن صالح العجيري.
المنتدى العربي للموارد البشرية,نسيم الصمادي.

إعداد / سمر سليمان المزيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق