الخميس، 8 ديسمبر 2011

الفضائيات والغزو الفكري



(المقدمة)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
مما ابتلي به المسلمون هذا النوع من الغزو والذي قد يغفل عنه البعض نتيجة كثرة المحن والشدائد التي تمر بها أمة الإسلام، ويظهر خطره وضرره من حيث كونه غير محسوس به لدى البعض، إضافة إلى استمرار آثاره لدى الأجيال الجديدة، عاملا على تغيير الهوية الإسلامية المميزة.
منتدى قصة الاسلام-مظاهر الغزو الفكري
لنذكر عندما كنا سادة العـالم والقوة العظمى فيه، استطعنا أن نفرض ثقافتنا في العصر الأموي والعصر العباسي على باقي شعـوب العـالم التي دانت لنا. ولم يقم من بيننا من قال لنا أننا نغزو العالم ثقافياً، وعلينا أن نكف عن هذا الغزو المُشين، وتصدير الفكر- وكان أيامها متمثلاً بالإسلام وعقيدته - المُهين إلى الآخرين. كمـا لم يجـرؤ أحد من البلدان المفتوحة على أن يُطلق على الإسلام وشرعه آنذاك "الأفكار المستوردة".
فهل أصبحت الثقافة العربية ثقافة واهنة هشَّة كقلاع البسكويـت بحيث تتهاوى أمام أرق الضربات الثقافية وأكثرها نعومة؟       وضع مترهل لا يصدُّ غزواً
يبدو أن الأمر كذلك باعتراف كثير من المفكرين العرب الذي قال أحدهم بأن "الوضع الراهن لثقافتنا وضع مترهل، لا يصمد أمام مثل هذا الغزو" ( محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، ص 76). ويبرر بعض الباحثين كالمنجي الكعبي هذا بقولهم، أن وسائلنا الإعلامية آنذاك كانت أكثر إقناعاً وحُسنى، وأكثر خيراً من وسائل الغرب في نشر ثقافته. فلم تكن – كما هي الحال في الثقافة الغربية – تقتحم البيوت دون استئذان، ودون حوار. (وسائل الإعلام الغربية والاستلاب الثقافي، ص98). وردنا على هذا: لو كان في صدر الإسلام وفي العهد الأموي والعباسي تلفزيونات وفضائيات وأقمار صناعية وشبكات إنترنت وبريد إليكتروني لفعلنا بالشعوب المفتوحة ثقافياً ما يفعله الغرب فينا الآن. وعلينا أن نقيس دائماً الأشياء بمقاييس العصر الذي تأتي فيه.
_________________________________________

شاكر النابلسي- مظاهر وآليات الغزو الثقافي في الفكر العربي المعاصر

والغزو الفكري له مظاهر كثيرة ومتعددة، تكاد تشمل جميع جوانب الحياة، بناءاً على دراسات دقيقة لأحوال المجتمعات الإسلامية.
فقد خطط أعداء الأمة الإسلامية، وتدارسوا الأمر فيما بينهم، ووضعوا مخططات تنفذ بكل دقة ونظام، وتوالت مظاهر الغزو الفكري تنتشر بين المسلمين، والتي يلمسها المراقب والباحث، والتي سوف نقف على مظهر من تلك المظاهر..


" الفضائيات والغزو الفكري"
إن أخطر ما يواجه به المسلمون اليوم، ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات التلفزيونية الفضائية، تلك الفتنة التي لم يبق بيت من بيوت العرب إلا دخلته. فمع بداية كل يوم، تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم لتغزو العالم الإسلامي، وتقتحم علي المسلمين في الغرفات خلوتهم. مئات من الفضائيات تلعب دورا خطيرا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم، وتفتح أبوابها وأبواقها وتسخر أدواتها وإمكانياتها للفكر الانحلالي الغربي".  
ويقر بالبدء بأنه "استغلالا للتقنية الإعلامية الحديثة في انتشار الصورة المرئية عبر القنوات الفضائية ظهرت حرب الفضائيات كغزو جديد، غزو لا تشارك فيه الطائرات ولا الدبابات ولا القنابل والمدرعات، غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تذكر، ولا نفقات كبيرة تبذل، ولكنه على الرغم من ذلك يؤدي إلى هدم جيل الشباب في صفوف المسلمين .
إن هذا الغزو القادم إلينا من الفضاء يفعل ما لا تفعله الطائرات ولا الدبابات، ولا الجيوش الجرارة، إنه يهدم العقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والعادات الحسنة والشمائل الطيبة والشيم الحميدة والخصال الجميلة".
 ("الغزو الفكري والفضائيات ذات البرامج المختلطة")، معنى الفضائيات المختلطة: هي "تلك الفضائيات المتنوعة في برامجها بين النذر اليسير من البرامج الدينية والإخبارية والثقافية، والكم الكبير من البرامج التي تمثل امتدادا لقضية الغزو الفكري التي تبناها العدو عبر مراحل صراعه مع الإسلام والمسلمين، سواء كانت هذه البرامج هي بذاتها برامج غربية أو محاكاة لها في الفكرة والهيكل، أو خططوا لها دون وعي من القائمين علي هذه الفضائيات، أو أنها تقدم من قبل الحكومات لتصوير المسلمين بالصورة التي يرغب الغربيون أن نكون فيها، خشيه التهديد بختم الإرهاب والرجعية".
إن نسبة 85 % من جمهور المشاهدين، يقول الكاتب، يحرصون على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية، ونسبة 53% من الفتيات " قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية، ونسبة 32% فتر تحصيلهن الدراسي، ونسبة 42% يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفيا، و22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية، نتيجة ممارسة عادات خاطئة".
ومن تأثير الغزو العقدي الناجم عما تبثه كثير من الفضائيات المختلطة، بزعم المؤلف، "التشبه بالكفار والانبهار بعاداتهم وتقاليدهم. وذلك أن معظم ما تبثه كثير من هذه الفضائيات يظهر المجتمعات الغربية المنحلة بوجهها الجميل فقط، وجه القوة والنظام والإنتاج والإبداع. ولا غرابة في ذلك، إذ أن إنتاج تلك المواد الإعلامية هو تحت نظر وسمع الغرب والمنبهرين بهم، المتشبهين بثقافاتهم". لكن، يتابع المؤلف، "أين ذلك التصوير الحقيقي لحياتهم التي يعيشونها الآن، من إحساس الغرب بالخواء الروحي المرير والشقاء والحيرة والاضطراب والتفكك الأسري والانحلال الخلقي، والتشتت الاجتماعي والذي يهربون منه إلى جحيم المخدرات والمغامرات الحمقاء، والشذوذ في مختلف مناحي الحياة، الشذوذ في الحركات والمظاهر واللباس والطعام، الشذوذ الأخلاقي والسلوكي الذي أورث أمراضا عصبية ونفسية لا حصر لها، وجعلتهم لا يجدون في الحياة ما هو جدير بالبقاء بها".
 ومن الأضرار والمخاطر التربوية والأخلاقية، يذكر الكاتب، "العزوف عن الزواج، والاكتفاء بالمناظر المحرمة. فالشباب الذين تأثروا بمناظر العري والفاحشة التي هي المادة الرئيسية في معظم القنوات الفضائية المختلطة، ظهر من توجهاتهم عزوف عن الزواج ورغبة عنه، وربما يتعلل الشاب بأن الزواج مسئولية وتكاليف".
أما في جانب الإخلال بالأمن، فيعتقد المؤلف أن "هذه الفضائيات دأبت على استساغة الجريمة واعتيادها من خلال عرض أفلام الجريمة، المسماة بالأفلام البوليسية. وتكرار هذه المناظر للجريمة على أنظار الناس بمختلف طبقاتهم وأعمارهم، يجعل الجريمة في أنفسهم أمرا اعتياديا، حتى يصبح المجتمع ويمسي وروح الجريمة يدب فيه، وتكون بمثابة الأحداث اليومية من حياة الناس".  
  ("الغزو الفكري والفضائيات الإخبارية") مضمون هذه الفضائيات: إن "الفضائيات الإخبارية هي التي يغلب عليها الطابع الإخباري في برامجها. وهذه الفضائيات غالبا ما تقدم نفسها على أنها فضائيات نزيهة محايدة، أو ليس لها مصلحة مع طرف ينازع طرفا آخر، وأنها تعطي كل طرف فرصة إبداء الرأي، وتوضيح وجهة النظر دون انحياز أو تمييز، بغض النظر عن توجهاته الفكرية حتى لو كان ضيفها رأس اليهودية".  
لم تتواجد هذه الفضائيات إلا من وقت قريب، حيث لم يكن في البلاد العربية، قبلها، إلا القنوات المحلية التي لم تكن معنية بصورة أساسية إلا بأخبار القادة في كل قطر. لكنها مع ذلك، أتاحت الفرصة أمام مفكرين وكتاب وأصحاب رأي، ممن ضاقت بهم أجهزة الإعلام الرسمية لطرح أرائهم وأفكارهم دون وصاية أو ضغط، وإن كان الأمر لم يخل من تدخل من هنا أو من هناك.  
 لكنها، في الآن ذاته، تعتبر، من الوسائل الحديثة للغزو الفكري ..
v     كونها تعمد إلى التقديم لمتحدثين إسرائيليين، واستضافتها لأكبر رجال دولتهم مع هالة من الاحترام، "تعطي انطباعا لدى المشاهد على أنه يمثل صورة حضارية، وهو في حقيقته محتل غاصب قاتل للمواطن العربي المسلم، وفي ذلك دعوة ضمنية لقبولهم والتطبيع معهم".  
v     كون البرامج المفتوحة للحوار، كالاتجاه المعاكس وما يدار في حوار المستقلة والمنار وغير ذلك وبالصور الحالية "من أكبر الأخطار، التي تفعل ما لا يفعله جند مسلحون بأنكى أسلحة الغزو الفكري، فربما تستضيف قناة الجزيرة علمانيا حاقدا على الإسلام كارها للالتزام ليقابل داعيا إسلاميا، وبأخطاء فادحة من المحاور، يبدو للنظر أن العلماني متفوق في فكره على الإسلامي، والشيعي أصدق من السني" وهكذا.
  ("الغزو الفكري والفضائيات الانحلالية") تلك القنوات العربية التي "لا تراعي حرمة الدين، ولا مبادئ أخلاقية، ولا قيود اجتماعية، بل هي حرب فضائية وغزو جديد، غزو الشهوات، غزو الكأس والمخدرات، غزو المرأة الفاتنة والراقصة الماجنة والشذوذ والفساد، غزو الأفلام والمسلسلات والأغاني والراقصات، وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات، إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم".
من شأنها "تغيير نمط تفكير الشباب والفتيات لمفهوم الهوية والعادات والتقاليد. فلم يعد ينظر باهتمام بالغ للهوية الإسلامية وخاصة من قبل الشباب، بل بات الأمر الهام هو كيف يحقق كل من الشاب والشابة حلمهما في تحقيق السعادة والمتعة، وكيف يجاريان فتيات الفضائيات في تغنجهن ودلالهن ولباسهن ومكياجهن الأنيق. بالتالي، ضعفت العلاقة بين الشباب وبيئتهم المحلية، وباتوا ينظرون لما هو موجود في الخارج من أنواع الفساد العصري، ويبحثون عن نمط الحياة والمعيشة والعلاقات كما تعرضه لهم الفضائيات الانحلالية، وهذا كله قاد في وقت قصير إلى تبديل المستوي الفكري لرؤية المفاهيم كالهوية والقيم والأخلاق والالتزام".
 ويستشهد بدراسة بحثية ميدانية حول أخلاقيات الفضائيات وأثرها في المجتمعات، أفادت فيها الباحثة جيهان البيطار أن 89% من الإعلانات الموجهة للشباب تحتوي قيما سلبية كالشراهة والتبذير والانحلال، وأن 93% من الفضائيات تستخدم السيدات، وأن 73% منها يتم تقديمها من خلال حركات المرأة ومفاتنها، وأن 58% منها تحتوي تجاوزا في اللغة، وأن أكثر من النصف يحتوي إثارة في المضمون.
 ("الغزو الفكري والفضائيات الكرتونية") يزعم الكاتب أن الرسوم المتحركة شغلت "أطفالنا أيما إشغال، فما عادوا يطيقون أن يجلسوا يوما بدون أن يشاهدوا تلك الرسوم، أو كما يحلو لأطفالنا تسميتها بأفلام الكرتون".
ولما كانت الرسوم المتحركة عبارة عن حكاية عن واقع راسمها كما يثبت ذلك علماء الاجتماع، فإن كل ما نراه من مشاهد في تلك الرسوم ما هي إلا حكاية عن واقع المجتمع الذي رسم فيه الراسم تلك المشاهد، أو عقائد وأخلاق يعترف ويتعامل بها.
  ويحذر من هذا الغزو الفضائي الكرتوني ودوره "في هدم بنيان الطفولة الإسلامية" من خلال نشر التبرج والتفسخ ونشر الرعب والخوف
والفضائيات العربية،تساهم في ذلك عبر أفلام الكرتون المستوردة من الدول الأوربية، التي تسهم في تدمير البراءة في نفس الطفل العربي، بل إن أغلب أفلام الكرتون تنقل بحذافيرها من القنوات الأجنبية، و"الطفل العربي لا يفهم غالبا لغة الحوار في القنوات الأجنبية، ولكنه يشاهد صورة ربما تؤثر في فكره، وتجعله يعتقد أن هناك إباحية في كل المجتمع الذي يعيش فيه. فالطفل يصدق ما يشاهده مهما كان خياليا ويتأثر به حتما".
 ("الغزو الفكري والفضائيات المذهبية") أن العديد من الدول والأحزاب التي تتبني مذهبا معينا أو فرقة من الفرق، "استغلت الفضائيات لنشر أفكارها، والتعبير عن أرائها بصورة أكثر جرأة من مؤسسي المذهب أنفسهم".
فالشيعة،هم "القسم المقابل لأهل السنة والجماعة في فكرهم وآرائهم، وهم يعملون من خلال وسائلهم المتعددة، وخصوصا الفضائيات والإنترنت لنشر مذهبهم في العالم الإسلامي بلهفة وحماس. فإعلامهم الفضائي يبرز عوامل القدوة للمشاهدين في اثني عشر إماما، ويحيطهم بهالة من التقديس، كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي يلقبونه بالمرتضي والحسن والحسين، وعلي زين العابدين بن الحسين ويلقبونه بالسجاد، ومحمد الباقر بن علي ويلقبونه بالباقر، وجعفر الصادق بن محمد، ثم ولده موسي الكاظم، ثم علي الرضا ثم محمد الجواد بن علي الرضا ويلقبونه بالتقي، وعلي الهادي بن محمد ويلقبونه بالنقي، ثم الحسن العسكري بن علي ويلقبونه بالذكي، ثم  محمد المهدي بن الحسن العسكري ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر والإمام الغائب. هؤلاء هم أبرز أعلام الشيعة، الذين يمثلون القدوة المفروضة على المشاهدين، حيث تدور حولهم برامج هذه الفضائيات وخصوصا الإمام الغائب، فإنهم يزعمون أنه قد دخل سردابا في دار أبيه بِسر من رأي ولم يعد، وهذا ما يرفضه معظم الباحثين، فإنهم يذهبون إلى أنه غير موجود أصلا".
مثال
ويستدل بوضع قناة المنار التي تعبر عن حزب الله الشيعي، "والتي أسهمت بشكل فعال في اختلاف المثقفين حولها ومتابعة برامجها. فطائفة تتابعها إعجابا بما حققه حزب الله من انتصارات على اليهود وإخراجهم من لبنان، وطائفة أخرى تفهم خطورة المذهب الشيعي، وكيف أنها تبث من خلال برامجها الطعن في أصول أهل السنة والجماعة".   
هم، لا يقدمون  من خلال فضائياتهم "إلا ما يخدم التشيع، ويساعد على نشره في الأوساط السنية. أما قضية التمسك بالكتاب والسنة، واحترام الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فهذه القضية لا محل لها عندهم، بل إن بعض الفضائيات السنية تأثرت بهذا الغزو الشيعي، وجعلت من رؤوس الشيعة مصدرا للفتوى".
أما الفضائيات التي تبث الفكر الصوفي في البلاد الغربية، فلا يتوانى المؤلف في وصفها بالجهل والتخلف، سيما عندما تعمد إلى نقل "حلقات الذكر الصوفي وصورة الصوفية وهم بين المسابح يتراقصون، الرجال والنساء مختلطون، يميل الرجل علي المرأة وتميل المرأة على الرجل..." ، ناهيك عن "تقديس الأموات والغلو فيهم، واعتقادهم أن الأولياء والأنبياء هم في الدنيا بعد موتهم أحياء، وأنه متى أراد الواحد منهم أن يلتقي مع مريديه أو ذويه فذلك عليه أمر يسير، وربما تفقد أتباعه ومريديه وأعطاهم ورادا يتعبدون به، إلى غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في الجهل، بعيدة عن عقيدة الإسلام الصافية"، لدرجة يبدو للمشاهد الغربي أن "تقديس المشاهد والبناء على القبور صار معلما من معالم الدين الإسلامي. فوسائل الإعلام الحاقدة تنقل وتقدم هذا التقديس على أنه صورة الإسلام، وبالتالي وضعوا جدارا مانعا لانتشار الإسلام في الغرب".
 ("الغزو الفكري والفضائيات التعليمية")"إذا تبنت أمة نظام تعليم وافد في ظل عقيدة غير عقيدتها، وأخلاق غير أخلاقها، فإنه ينتج أهدافه منعكسة عليها في الاعتقاد والأخلاق والسياسة، والاجتماع  بأفكار وانحرافات مغايرة لما عليه إيمانها وعقيدتها وسلوكها، مفضيا ذلك إلى زعزعة العقيدة، ثم الردة الفكرية فالعقدية وبه تؤول حياة الأمة إلى تبدد وانقسام، وتصدع وصراع، وتعيش في ظله بين البناء والهدم، والتصديق والتكذيب، والاحترام والازدراء، وامتداد الصراع في تصاعد واتساع، ولا تسأل حينئذ عن انتشار الفوضى واضطراب الأحوال".
أن "أبرز أهداف نشر التعليم الأجنبي بين المسلمين (مثلا) تغليب اللغة الأجنبية على اللغة العربية لتدريس المواد، وبث الفكر الأجنبي في عقول الناشئة من خلالها. ولا يخفى أن فرض اللغة الأجنبية كلغة لتعليم المواد الدراسية، هو في حد ذاته اقتحام للحصن الإسلامي المتمثل في اللغة العربية بإبعاد مظهريتها شعارا لأهل الإسلام، وحجبها عن لسان الناشئة. وكم في هذا من إضعافها وتبغيضها في نفوسهم، بل عزل لهم عن إسلامهم. فإذا حيل بين المسلم ولغته لغة القرآن، تم العزل له بطبيعة الحال عن إسلامه وأمجاده وحضارته، وأول ما ينزع منه اعتقاده في كتاب ربه الذي نزل بلسان عربي مبين على خاتم الأنبياء والمرسلين".
أما بعد ظهور الفضائيات وسهولة استقبالها، وسرعة تلقي المعلومات من خلال شبكة الإنترنت، فإنه "لم تعد هناك حاجة لفتح المزيد من المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين، لأن الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة أذابت الحواجز الجغرافية، ونشأ ما يسمي التعليم عن بعد".
صحيح أن التطور والنهوض بالعملية التعليمية التي تؤدي إلى فهم الإسلام بصورة صحيحة من خلال هذه الوسائل أمر مطلوب لكن شريطة أن تساهم الوسائل إياها "في إصلاح التعليم وإصلاح الأخلاق والعناية بتعاليم الدين، وفي تطبيق أخلاق الدين على المعلمين والمتعلمين".     








وفي خاتمة هذا البحث أقدم ما اعتبره من الحلول   المقترحة للتصدي للغزو الفكري
 ("مشروع الفضائيات الإسلامية والتصدي للغزو الفكري")
توجبت الدعوة إلي إنشاء فضائيات إسلامية، "وأصبح الأمر ملحا منذ أن ظهرت الأقمار الصناعية الرقمية واستخدمت في مجالات البث التليفزيوني، وخصوصا بعدما تعرضت المنطقة العربية الإسلامية للعديد من القنوات الفضائية الغربية، التي حملت أفكارا وثقافات تختلف عن ثقافتنا وقيمنا. فهذه القنوات تهدد الهوية الثقافية العربية والإسلامية، ومن هنا شعرت بعض المؤسسات بالمسؤولية وأسهمت في إنشاء العديد من القنوات الفضائية، التي يغلب عليها النمط الإسلامي. وكان أحد الأهداف التي تسعى إليها هذه القنوات، تحسين صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، والرد على الافتراءات التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام".  
 إن الطموحات الإعلامية،"تكمن في إطلاق أقمار صناعية إسلامية كما أطلقنا قمرا صناعيا عربيا وآخرين مصريين، لأن هذا القمر يهدف إلى الدفاع عن الدعوة الإسلامية، كما أن الغاية من هذه المنظومة أيضا هي الوصول إلى الجمهور الأجنبي باللغات الأجنبية، والتوجه صوب الولايات المتحدة الأمريكية وصوب دول أوروبا الغربية".
ومن الأسس التي يجب أن تقوم عليها تلك القناة الإسلامية، "أن تعتمد الشمولية فيما تقدمه. فهي تقدم المادة التربوية والثقافية والدينية فضلا عن المواد الترفيهية ضمن الضوابط الإسلامية، ويجب أن تكون القناة عامة لكل أفراد المجتمع، الطفل له نصيب، والمرأة كذلك، فضلا عن الرجل، وشريحة الشباب بجنسيه مهمة حتى تكون القناة بديلا معقولا عن الغثاء النازل من الفضاء. أما لغة الخطاب، فتكون بسيطة وعامة وتستهدف المشاهد العادي بالجملة، ولا بأس من وجود مواد قليلة للمثقفين والنخب الاجتماعية، ويمكن لها أن تنافس وبقوة في ظل الزخم الفضائي الهابط والممل. فالناس أصابها الضجر من القنوات الأخرى التي لا تحترم عقل المشاهد ولا ذوقه". 
 كما يجب الاستثمار في الجانبين الفني والموضوعي، وتوظيف "كافة الإمكانيات الفنية من إخراج وتصوير وخدع سينمائية وجرافيك وتقنيات معاصرة، لتقديم نماذج عالية الجودة فنيا ولا تقل بأي حال عن القنوات الحالية. وفي الجانب الموضوعي، ينبغي أن تكون المواد المعروضة ممتعة ومغرية للمشاهد، للمتابعة باعتماد النصوص الجيدة والمعدين المهرة. أما المواد المشتراة، فينبغي اعتماد معايير دقيقة عند الاختيار للفكرة والموضوع والمحتوى وجوانب الإبداع الفني كذلك".    
في زمن تتجاذبه الأهواء، تتلاطم فيه أمواج الفتن والإغواء. فغزو أرضي ومثله فضائي يشنه علينا الأعداء، وعلى أهداف معينة، وقواعد أساسية وبنية قوية، ألا وهم شبابنا شباب الإسلام. فالشباب قلعة حصينة ودرع منيع وقوة وعزة للإسلام على مر التاريخ ، إذا هم صلحوا واستقاموا على منهج الله، ومن ثم كانوا هم الهدف الأسمى والغنيمة العظمي، التي يسعى لكسبها أعداء الله الحاقدين، فيحيكون الدسائس لهم وينصبون الفخاخ في طرقهم، منها الخفي ومنها الواضح المرئي، حتى يخرجوهم من حصنهم المنيع الذي تحصنوا به، وهو هذا الدين الذي ما تعلق به إنسان إلا وسمى به وارتفع إلي قمم المجد العالية، بعيدا عن السفاسف، وقاذورات الأديان المحرفة وإباحيتها المضللة المفتنة".
"لقد أضحت الفضائيات في عصرنا عدوا قاتلا لا بالسيف والسنان، ولكن بسيئ الأقوال والأفعال، فتقتل العفة والحياء والمروءة، بل وإنها تنشئ المودة  والمحبة بين المسلم والكافر، فكثير من شبابنا اليوم تجده قد تعلق بممثل كافر أو ممثلة أو مغنية كافرة، ويواليهم ويحبهم حتى أنك تسمع أصوات أغنياتهم في سيارته بلا حياء منه، فصار البيت كله متعلق بهذه الفضائيات وما يعرض فيها".
"أن جلب أجهزة القنوات الفضائية المختلفة وشراءها وإحضارها للمسكن دون تحفظ أو قيود، خطأ فادح لما يترتب عليه من الأضرار الحاضرة والمستقبلية. لذا أفتى أهل العلم بتحريم اقتناء تلك الأجهزة لما فيها من الشر المؤكد".
____________________________
بتصرف الفضائيات والغزو الفكري، - محمود بن عبد الرازق
فمسكينة هذه الأجيال التي سوف تتعرض لهذا الغزو، والآباء في غفلة، والموجهون والعلماء والدعاة في غفلة عن التصدي له، فنسأل الله سبحانه أن يقي أمتنا شره، وأن يبصرنا جميعاً بخطورته، وأن يجعل كل واحدٍ منا يعي مسئوليته التي أخبر عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم} فـكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته {
 والحمد لله رب العالمين.
______________________________________
الشيخ العلامه الدكتور سفر الحوالي- منتدى شبكة الدفاع عن السنة



إعداد / أسماء سعد العنزي 


هناك تعليق واحد: